تركيا الخادم الاطلسي.
د.نسيب حطيط
بعد انهيار الخلافة العثمانية،واستلام كمال اتاتورك الحكم في تركيا وتعميم النموذج العلماني،خلعت تركيا هويتها و حجابها و حروف ابجديتها لتنحاز الى العالم الغربي و تواكب احلمها في التقدم ،ولتهرب من التخلف الاسلامي المفترض وفق ادعاءات حكامها ، ولتنضم الى الاتحاد الاوروبي، لكن الغرب كان بحاجة الى يد عاملة رخيصة للعمل في المهن الوضيعة الخدماتية،كما يتعامل الصهاينة الان مع العمال الفلسطنيين لبناء المستوطنات.
فتحت اوروبا ابوابها امام المهاجرين الاتراك وتضخمت الجاليات التركية خاصة في المانيا كدولة صناعية تحتاج لليد العاملة،وفتح حلف الناتو ثكناته لتركيا لتكون عضوا فيه لانه بحاجة الى جنود يقومون بالخدمات اللوجستية للجيوش الاميركية و الاوروبية و يحتاج الناتو لقواعد عسكرية في قلب الشرق الاوسط بالاضافة الى اسرائيل ،وتم قبول الاتراك كعمال وجنود "خدم" لان السيد الغربي بحاجة الى عبيد وخدم في جيوشه والمصانع، وصارت تركيا "الخادم الاطلسي" ولم تقبل كعضو في الاتحاد الاوروبي بعد اكثر من اربعين عاما على الحاحها واستجداءها ، ولبست البدلة الغربية و خلعت الطربوش و الحجاب حتى تسترضي اسيادها، وصارت تكتب بحروفهم وذلك عبرقمع النظام رغما عن مواطنيها المسلمين الذين حاولت منعهم عن دينهم وحاصرتهم لكنهم صمدوا، و بقي الشعب التركي المسلم على قناعاته و عقائده ومبادئه مع فلسطين و القدس ضد الصهاينة و الاحتلال،مع الحجاب و القرآن ضد التغريب و الحداثة، معالمحيط الاسلامي و قضايا شعوبه.
إن تركيا تنقسم بين فئتين :فئة حاكمة و هي الجيش و السلطة التي يعينها، وفئة محكومة وهي الشعب المظلوم الممنوع من حرية المعتقد و الرأي ،اما الان بعد وصول حزب العدالة و التنمية برئاسة اردوغان بعد انقلابه على استاذه (اربكان) فان تركيا تنقسم الى ثلاث فئات:
- سلطة حاكمة باسم الإسلام المهني الاميركي،تنهج سلوك الخداع وتمثل راس الحربة للمشروع الاميركي و الاسرائيلي.
- الجيش المحايد و الذي تلقى عدة ضربات، لكنه يتحين الفرصةلاعادة الامساك بزمام الامور،عندما تفشل تجربة الاسلاميين الجدد في تركيا
- الشعب التركي الذي يفرض معادلاته السلوكية بالتضامن مع العالم الاسلامي ويتمرد على الاتفاقيات مع العدو الاسرائيلي ويحاول تحصين اولوية الحفاظ على الدين و المبادئ.
وضمن هذ الثلاثية تعيش تركيا ،القلق و التناقض في وصراع هذه الفئات وضحية الصدام بينها لانه لايمكن ان تعيش تركيا بثلاث رؤؤس وعلى ثلالثة محاور.
ويضاف الى هذا المشهد،المشكلة المذهبية و العرقية التي تتمثل بالمشكلة الكردية و الصراع المسلح والسياسي بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني منذ عقود ،والذي يطالب فيه الاكراد بالحكم الذاتي وحقوق المواطنة،ويضاف الى ذلك مشكلة الطائفة العلوية التي حرمها اتاتورك العلماني من حقوقها الدينية ومنع دور العبادة الخاصة بها ولم يضمها الى المؤسسات الدينية الرسمية،وابقى حزب العدالة و التنمية بقيادة اردوغان على هذه التشريعات،وبعد تصاعد الخطاب المذهبي لاردوغان خلال الاحداث السعودية واثارة النعرات المذهبية بين العلويين و السنة،مما سيخلق مشكلة داخلية في تركيا بدأت بوادرها بعد وضع العلامات في احدى القرى التركية على بيوت العلويين،واذا مااستمر النظام التركي بتغذية الخرب الاهلية في سوريا فان نيران الفتنة ستصل الى الداخل التركي وتضع تركيا على فوهة البركان،خاصة وان النسيج الشعبي التركي يتكون من حوالي 15 مليون كردي و 17 مليون علوي من اصل 65 مليون تركي ،اي ان حوالي نصف تركيا ضد السلطة الحالية و النصف الاخر ينقسم بين علماني و الجيش وتيارات اسلامية،مما يسهل عملية التفكك التركي بعد الحركات البهلوانية الامنية و السياسية و الاعلامية التي يمارسها الثنائي (اردوغان-غول)وتورط الحكومة التركية بنشر الدروع الصاروخية الاميركية مما اثار ايران و روسيا لما تشكلة منظومة الدرع الصاروخي من تهديد للامن القومي الايراني و الروسي ،وكذلك اثارة العراق بعد دعم اردوغان لطارق الهاشمي المتورط في قضايا ارهابية ،وذلك انطلاقا من حسابات ظاهرها مذهبي،لكنها في الحقيقة تنفيذا لامر عمليات اميركي اسرائيلي لاثارة الفتنة في العراق بعد الانسحاب الاميركي تحت ضغط المقاومة العراقية.
والسؤال هل تتورط تركيا بايعاز اميركي بالدخول العسكري الى الاراضي السورية بعد فشل صدور غطاء سياسي من مجلس الامنمما يسهل دخولا لحلف الناتو بحجة مساندة احد اعضائه ضد سوريا ويصبح التدخل العسكري الخارجي امرا واقعا من البوابة التركية وبغطاء بعض اعراب الخليج،خاصة وان الوقائع الميدانية و السياسية تؤكد استحالة اسقاط النظام عبر المعارضات السورية المفككة و الهزيلة و التي تمتهن اما المقاولات السياسية و المالية واما عمليات الذبح والخطف و الاغتصاب.
اذا تورط الاتراك،فان غبائهم ومراهقتهم السياسية وتبعيتهم العمياء للسيد الاميركي،ستشعل المنطقة باكملها وترسم مشاهد سياسية جديدة حيث تختفي كيانات ودول وتولد كيانات ودول ،ولكن الاساس ان اسرائيل ستدفع الثمن االأكبر، و سيينقلب السحر على الساحر،فاذا كان مشروع التقسيم الاميركي يهدف لحماية الكيان الاسرائيلي،فإن النتيجة ستكون زوال هذا الكيان من المنطقة وتحرير المسجد الاقصى وكنيسة القيامة.